علي في العاشرة من عمره ، يعيش مع أمه و أبيه و جده في
منزل كبير حياة سعيدة هنيئة ، كان صبيا مجتهدا في دراسته
محبا لأسرته ، مطيعا للكبار ، حريصا على الصلاة في أوقاتها ،
وكان يحب جده العجوز كثيرا و يقضي معه معظم وقته ، يتجاذبان
أطراف الحديث و يتسامران و يتضاحكان
في أحد الأيام بعد أن انتهى علي واجباته المنزلية وأنهى
جميع ما عليه من دروس ، ذهب كعادته إلى غرفة جده و سلم
عليه و جلس معه يحدثه عما تعلمه في المدرسة من أمور
دخل والد علي على والده و ابنه الدار و ألقى التحية عليهما ثم
جلس نائيا و التزم الصمت لبرهة قصيرة و كأن أمرا ما يشغل باله
سأله أبوه برفق
ما بك يا ولدي تبدو منشغل البال .. هل هناك ماتود أن تخبرني به ؟ -
رد أبو علي : الحقيقة يا أبي أنني أراك وحيدا طوال الوقت .. و
أخشى أن تسبب لك هذه العزلة الحزن و الاكتئاب فلماذا لا
تحاول أن تكون بعض الصداقات مع غيرك ؟
استغرب كلا من الجد و علي من هذا السؤال ، فهذه هي المرة
الأولى التي يطرح فيها هذا الموضوع
قال الجد : ماذا تحاول أن تقول يا بني ؟
رد أبو علي : لقد أخبرني أصحابي عن دار يجتمع فيها الكثير من
الشيوخ و الرجال للسمر و تكوين الصداقات و الترويح عن النفس
بالأحاديث اللطيفة .. فما رأيك لو ذهبنا غدا إلى هناك ؟
بدا الأمر لعلي غريبا مثيرا للشك ، فهو لم يسمع بهذه الدار من قبل
إلا أن جده أبدى حماسة شديدة لهذا الأمر الذي بدا لهو مشوقا و مثيرا
قال الجد و الحماسة تلمع في عينيه : خذني إليها غدا يا ولدي إن استطعت
ابتسم أبو علي ابتسامة غريبة و قال : حسنا .. ليكن
و لكن علي .. ما زال مرتابا بخصوص هذه الدار ..
فماذا يكون سرها يا ترى ؟
قال على لأبيه : هل تأذن لي بمرافقتكم يا أبي ؟
تجهم وجه الأب و قال : لا يمكنك أن تأتي معنا ، الأفضل أن تباشر
دروسك ..
تدخل الجد بمرح كعادته قائلا : يمكنك أن تأتي معنا يا صغيري إذا
أنهيت دروسك باكرا
و هكذا كان .. حرص علي على أن ينهي واجباته و دروسه بسرعة
و عندما حان موعد الانطلاق كان أكثرهم استعدادا و فضولا لكسف
سر " الدار " التي تحدث عنها والده
و ركب ثلاثتهم السيارة و انطلقوا في طريقهم ، كان الجد منتشيا
مسرورا ، و كان علي متوجسا متشككا يكاد الفضول يقتله ، في
حين كان الأب – و يا للعجب – متوترا عصبيا منزعجا
ترى ما السبب ؟
كانت الطريق التي سلكتها السيارة طويلة جدا ، و لكنهم وصلوا أخيرا ..
و فعلا ، رأى علي الدار التي تحدث عنها والده ، و كان فيها الكثير
من الشيوخ و العجائز الذين سرعان ما وجد الجد مكانا بينهم ،
و كانت هناك لائحة كبيرة معلقة على باب الدار كتب عليها بخط أسود عريض
(( دار العجزة و المسنين ))
دهش علي مما رآه ، هل كان والده يقصد التخلص من الجد
العجوز بنقله إلى دار العجزة ؟ هل يعقل ذلك ؟
لماذا يتخلى الإبن عن أبيه الذي لم يتخلى عنه قط ؟
تساؤلات حائرة ثارت في عقل علي الذي تملكه القلق الشديد
والخوف على جده المسكين ، أما بالنسبة للأب فما إن رأى أن الجد
قد استقر في مكانه و انغمس في الحديث مع غيره حتى شد
علي من يده و غادر الدار
أدرك علي أن والده يريد التخلص من الجد العجوز و سرعان ما
فكر بطريقة ذكية لإنقاذ جده .. و لكن الوقت لا يسعفه ، فسرعان
ما انطلقت السيارة به و بوالده تشق طريقها قافلة إلى المنزل
كان الأب متوترا و كأنه يتحاشى خوض حديث مع ابنه الذي بادر و سأله
:
أبي .. أين جدي ؟ -
تركناه في الدار -
لماذا ؟ -
لأنها مكان الكبار -
لزم علي الصمت لبرهة ثم قال : أبي .. ما اسم هذا الشارع ؟
رد الأب بضجر : شارع السعادة
و ما اسم هذه المنطقة ؟ -
منطقة الشهيد -
و ما اسم000 -
قاطعه ابوه بحدة وضجر و صرخ فيه : أما من نهاية لهذه الأسئلة
المزعجة ! لماذا تسأل عن هذه الأمور ؟
رد علي بهدوء : أريد أن أسأل عن العنوان حتى أحضرك إلى هنا
عندما تكبر كما أحضرت جدي
أولم تقل بأن هذا مكان الكبار ؟
أصيب الأب بذهول مفرط حتى أنه عجز عن قيادة السيارة و أوقفها
جانب الطريق و راح يحدق في ابنه بدهشة و بلسان معقود لا
يدري ماذا يقول
و فوجئ علي بأبيه يغطي وجهه بكفيه و يبكي ندما و هو يردد
" سامحني يا أبي "
" سامحني يا أبي "
جزع علي من بكاء أبيه و لكنه أدرك أنه ندم على تخليه عن أبيه
في كبره و إلقائه في دار العجزة ، وضع علي يده على كتف أبيه
وقال : أبي .. أرجوك .. لنعد إلى جدي و نأخذه معنا إلى البيت
وقد كان
**********
ان كنت تفكر أن ترسل والدك أو والدتك الي دار مسنين
ففكر مرتين
قال الله سبحانه وتعالى
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا )
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل
لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض
لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِّ ارحمهما كما
( ربياني صغيرا
صدق الله العظيم